حجم مبيعات العقارات في تركيا

كورونا وسوق تركيا للعقار .. إعصار أم انتصار !

كورونا وسوق تركيا للعقار

إنّ الحديث عن سنة 2020 عند العالم أجمع أصبح مربوطا بكورونا، هذا الوباء الذي أثّر سلبا على عديد القطاعات، إلاّ أنّه في الوقت ذاته ، كان إيجابيا على بعضها الآخر،  فلم تكن مثلا سوق بيع المنتجات أون لاين تصل إلى الذروة التي بلغتها في سنة 2020، ولم يكن سوق العقارات في تركيا يظهر قوة صموده في وجه الأزمات لولا كوفيد – 19. 

كيف واجه سوق العقارات في تركيا أزمة كورونا، ما هي الخطط التي وضعتها الحكومة التركية لتمكين استمرار مبيعات العقارات، وما هو مستقبل قطاع بيع عقارات في تركيا عقب انجلاء جائحة كورونا ؟ 

كل هذه الأسئلة وأكثر سنتعرّف على إجاباتها في المقال التالي الذي سيقدم بالتحليل والإحصائيات واقع حال قطاع العقارات في تركيا بعد انقضاء ما يجاوز نصف سنة من الأزمة المستمرة على أمل أن يرى اللقاح الذي تسابق تركيا الزمن لإيجاده النور قريبا، فتعود بذلك البشرية إلى سابق عهدها بحياة طبيعية مطمئنة بعيدة عن تخوفات العدوى وهواجس الإصابات وشبح الموت. 

 وكما كل دول العالم شرعت تركيا منذ ظهور أولى حالات الإصابة فيها بعدوى الفيروس القادم من الصين في آذار 2020 بتطبيق الإجراءات الصارمة لمدة فاقت 100 يوم، لكن سرعان ما تغيّر التعامل من منطق البقاء بالبيت وتعطيل كل المصالح، إلى منطق التعامل مع الوباء بذكاء وحكمة، فعادت الحياة تدريجيا بعد امتثال الجميع لتدابير السلامة وتسجيل تراجع قياسي في أعداد الإصابات، أعلنت من خلاله تركيا بكل فخر قدرتها على حصر الوباء والتحكم فيه .

وحتّى في عزّ الإجراءات الصارمة سجّلت تركيا استمرارا لمبيعات العقارات، وابتكرت لذلك حلولا بديلة سنفصّل فيها لاحقا . 

 كم باعت تركيا من عقارات منذ ظهور وباء كورونا ؟  

في الجدول التالي حدد معهد الإحصاء التركي حجم مبيعات العقارات في تركيا منذ بدء وباء كورونا : 

الشهر

إجمالي المبيعات

مبيعات الرهن العقاري

عقارات بيعت لأول مرة

عقارات مكررة البيع

المبيعات للأجانب


آذار 2020

108670

43329

65341

19997

3160


نيسان 2020

42783

17088

14848

27935

976


أيار 2020

50936

18438

16860

34076

860


يونيو 2020

190000

101504

58632

88000

1664


وتشير تعليقات الخبراء الاقتصاديين على حجم مبيعات العقارات في تركيا منذ بدء كورونا إلى تسجيل أرقام قياسية في بعض الأشهر على غرار آذار ويونيو هي الأعلى منذ سنوات، كما أنّ الإحصائيات تفيد أنّ قطاع العقارات في تركيا كان أقوى من كل التوقعات بسبب حاجة الناس المستمرة للسكن . 

كيف بقي قطاع السكن في تركيا صامدا في وجه رياح كورونا ؟ 

من غير الواقعي القول أنّ قطاع العقارات الذي ظل منتعشا ويواصل الصعود طيلة سنوات شهد نفس الوتيرة خلال زمن كورونا لكنّه أبدى تحسنا وتفوقا في بعض الأشهر وصمودا درء الشلل الذي توقعه الكثير في أشهر أخرى حسب تحليلات الخبراء الاقتصاديين، خاصة العقارات السكنية التي حافظت على مبيعاتها مقارنة بالعقارات التجارية كالمكاتب والمحلات وغيرها . 

وبقي قطاع العقارات في تركيا و شقق للبيع في اسطنبول صامدا لعدّة أسباب أبرزها: 

 

 

  • استمرار الحاجة للسكن حتى في زمن كورونا: يعتبر السكن حاجة لا يستغني عنها الانسان حتّى في زمن الأزمات، فما بال ان كان المنزل يوفر شروط الحصانة من الفيروس المستجد، والحماية من الوباء ، فقد أثبتت الاحصائيات أنّه حتّى بالمناطق التي لا تصلح للعيش يبقى الانسان يسعى وراء تملك وشراء سكن ، فماذا إن تعلّق الأمر ببلد مثل تركيا يتميّز بجذبه الكبير للراغبين في التملك العقاري حيث تتجاوز الكثافة السكانية في تركيا 83 مليون مواطن وأزيد من 7 ملايين أجنبي اختاروها للعيش والاستقرار .  
  • ارتفاع عدد السكان في تركيا بشكل كبير خلال آخر سنة، حيث سجلت معظم أرجاء البلاد ما يربو عن مليون ولادة جديدة ليرتفع عدد السكان ويقارب عتبة 84 مليون نسمة، وبالتالي تزايد حاجة السكان إلى منازل جديدة وأوسع، فالحديث عن الزيادة في أعداد السكان يعني تحرير السوق العقارية من شبح الركود الذي قد يطالها في زمن الأزمات أو خارجها، ومنه يستمر الطلب على شراء عقارات في تركيا أو استئجارها . 
  • ارتفاع عدد الزيجات في تركيا بمعدل 500 ألف حالة زواج سنويا، وغالبا ما يتجه الشباب المتزوج حديثا في تركيا إلى شراء منزل أو استئجاره وبالتالي ارتفاع مبيعات المنازل سواء مباشرة للأزواج، أو لرجال الأعمال الراغبين في شراء عقارات في تركيا بغاية تأجيرها . 
  • توجه مختلف الدوائر الحكومية والخاصة ذات الصلة المباشرة بقطاع العقارات في تركيا إلى البيع أون لاين في زمن كورونا، وهو ما ساعد كثيرا على تحريك القطاع سواء بالنسبة للمواطنين الأتراك في أيام الحجر المنزلي، أو بالنسبة للأجانب الذين لم تسمح لهم ظروف تعليق الطيران المدني بالقدوم إلى تركيا 


ملامح الركود الظرفي في مبيعات العقارات في تركيا خلال زمن كورونا 

نعم، أظهرت العقارات في تركيا مقاومة واضحة للهزات التي تسببت فيها جائحة كورونا على جميع الأصعدة التي لها علاقة مباشرة بالقطاع مثل " الطيران، النقل، السياحة، الاستيراد والتصدير وغيرها ..".

ومن بين ملامح الركود نجد، الانخفاض الكبير في أعداد المستثمرين الأجانب في قطاع عقارات تركيا بسبب تجميد رحلات الطيران المدني لما يزيد عن شهرين ونصف، وأيضا تراجع فرص الاستثمار العقاري في القطاع السياحي بسبب توقف موسم السياحة في تركيا مؤقتا ، وفي هذا الصدد عرفت الفنادق والمنتجعات والعقارات التي لها صلة بالقطاع انخفاضا ، زيادة عن تراجع ملموس في كل ما يتعلق بالعقارات التجارية على غرار الشركات والمكاتب وتعطل كل سبل بدء مشروع تجاري في زمن كورونا . 

لكن بالمقابل لم يؤدي هذا التراجع المسجل في التأثير على إقبال الأتراك على شراء العقارات خاصة أنّ أسعار شقق للبيع في تركيا حافظت على ثباتها رغم التراجع الطفيف الذي شهدته العملة التركية "الليرة" مقابل باقي العملات الأجنبية " دولار ويورو" ، وهذا نتاج طبيعي في زمن الأزمات العالمية . 

ملامح صمود العقارات التركية في وجه كورونا 

 لم تأت المقاومة القوية التي أبدتها العقارات في تركيا في وجه وباء كورونا وتأثيراته المختلفة على مناحي الحياة من العدم، فقد كانت نتاج تخطيط محكم من طرف الحكومة التركية وتسيير مضبوط للأزمة الصحية الاقتصادية وذلك من خلال: 

  • جملة التحفيزات التي قدمتها الحكومة التركية للمستثمرين الأجانب في مجال العقارات على غرار الإقامة العقارية في تركيا ، الحصول على الجنسية التركية مقابل استثمار عقاري بقيمة 250 ألف دولار أمريكي فقط . 
  • فتح الباب أمام اتمام مختلف الإجراءات العقارية أونلاين ، على غرار دفع الضريبة واستخراج الطابو وغيرها، وهو ما فتح الباب أمام الأجانب الراغبين في التملك العقاري في تركيا عن بعد بسبب توقف الرحلات. 
  • الابقاء على أسعار شراء العقارات في تركيا بالليرة التركية وهو ما مثّل نقطة جذب للأجانب الذين يتعاملون بالدولار، فمثلا من كان يدفع 100 ألف دولار لشراء عقار بـ 600 ألف ليرة تركية أصبح اليوم في زمن أمة كورونا بإمكانه شراؤه مقابل 90 ألف دولار أمريكي فقط . 
  • تدعيم إجراءات التملك العقاري بخطوات تزيد من ثقة العميل المستثمر، على غرار استخراج وثيقة التقييم العقاري ، تقديم مساعدات ورهون عقارية وغيرها .  
  • التكثيف من الحملات الدعائية المشجعة على الاستثمار العقاري في تركيا من طرف كل من شركات الإنشاء المختلفة وأيضا الشركات العقارية التي تلعب دور الوسيط بين العميل وشركات بناء المشاريع العقارية المختلفة . 
  • تقديم قروض عقارية طويلة الأجل للمستثمرين الأتراك والأجانب وهو ما شجع بشكل كبير على شراء عقارات في تركيا خاصة في زمن كورونا الذي أثر على السيولة المالية لدى الكثير من الراغبين في التملك العقاري ، وتشير الإحصائيات إلا أنّ ما يقارب 40 % من العقارات التي تم بيعها في زمن كورونا كانت عن طريق الرهون العقارية التي تمتد فترة تسديدها لسنوات طويلة .  
  • منح قروض عقارية بأسعار فائدة ثابتة مع خطط سداد مرنة تتناسب وظروف العملاء. 
  • إمكانية دفع الضرائب العقارية أونلاين في إطار عملية بيع العقارات أونلاين في زمن كورونا . 
  • إمكانية القيام بجميع معاملات شراء عقارات في تركيا عن طريق وكالة قانونية لطرف ثالث . 

نعم، قطاع العقارات في تركيا ، أثبت طيلة مدة الانتشار القياسي للوباء أنّه تجاوز الإعصار بنجاح ، بل وحقّق الانتصار الذي يقوده ليكون أقوى بمجرد عودة الحياة إلى طبيعتها مع انعاش مبيعات باقي العقارات التي تأثرت بسبب الجائحة على غرار العقارات التجارية والسياحية .